بقلم الأديب المصرى
د. طارق رضوان جمعة
ملخص المقال:
1- المقدمة
2- ما هو الونس؟
3- أين تجده؟
4- هل الونس مقصور على بنى البشر فقط؟
5- التصالح مع الذات سر اسرار الونس.
المقدمة
" استوحش مما لا يدوم معك و استأنس بمن لا يفارقك" ...ابن قيّم الجوزية
مصباح الأرواح ومفتاح الفلاح هو الونس. الذكر والتسبيح ونس. امتلاكك لروح نقية شفافة ملائكية تحب الله وتأنس به خير ونس. الأمنية ونس. أن تجد من يشبه روحك وتوأم نفسك ونس. استكمال نواقصك وإصلاح نصفك المتهالك عبر من تحب ونس. احساسك بالفضفضة وعدم الخجل وأن هناك من يحتويك ويؤتمن على أسرارك ونس. الونس يجعل من الشخص البعيد أقرب الأقربين لك، لأنك تشعر بالراحة والأمان في حضوره النفسي. علاج وحدتك وقلقك وخوفك من كل شىء واللا شيء هو الونس.
الونس احساس قد تجده فى زوجة صالحة أو صداقة مخلصة أو أم حنون أو أب قدوة . وقد يتعدى الاحساس بالونس إلى ما هو أبعد من ذلك فتجده فى مصادقة قط أليف أو حيوان ذكى لطيف. وأيضاً هناك من يجد الونس وسط نبات مُزهر أو حين يستمع إلى موسيقى معينة تخاطب روحه فتثير وجدانه. قد تجده ايضا فى قراءة كتاب أو رواية ما .
وتأثير الونس ليس ظاهر فقط على الإنسان بل هو أيضاً واضح على النباتات والحيوانات. فالونس لحظات مسروقة من زحام الحياة. فهو احساس بالرحمة والطمأنينة والمودة وشد الأزر. فالنباتات تستأنس بضوء الشمس وتتغذى عليه. والأبقار تنتج المزيد من الألبان حين تستمع إلى الموسيقى.
وهناك تعايش وتكافل ومقايضة بين جميع مخلوقات الله. فتعيش جميع المخلوقات بعضها مع بعض ويحكمها نظام بديع رائع وهي البيئة الحيوية. علاقات كثيرة منها المفيدة ومنها المضرة بالكائن الحي، ولكن بالنهاية لا يستطيع أي كائن أن يعيش بمعزل عن الكائن الآخر. فكل منهم مقوم لحياة الآخر.
ألا تعلم أن ما تبحث عنه يبحث عنك.. كيف؟ نعم، فان كنت من المسبحين، ذكرك الله في من عنده. وإذا ذكرت الله فى ملأ ذكرك الله فى ملأ خير منه. وإن كنت تفكر فى هم وغم والعياذ بالله تحولت حياتك إلى كأبة مستمرة. فشكوتك عما يؤرقك تستدعى وتستحضر كل جنود الشكوى فتهاجم فكرك وتنغص عليك حياتك. هذا قانون كونى. فالأفكار تجذب الأفكار المتشابهة. فأبحث عن الرحمة، عن الجمال ، عن السعادة عن الونس. فالبداية منك وإليك. ابحث عن العطاء لإسعاد الأخرين فيسعدك الله ويسهل لك امورك. ({فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8](1).
لكن حتى أكن صادقاً في حديثي معكم، فلن تستشعر الونس بحق إلا حين تتصالح مع ذاتك قبل كل شيء. فكيف تسعد بوقتك وأنت غير مُهيأ لاستقبال أي تغير بالإيجاب؟ لامس فراغاتك وابحث عن جوهرك فجوهرك هو وطنك الحقيقي.
فإذا وجدت الونس فى أخ فتمسك به، فلا يُمكن استبدال الاخ بأي شخص أخر حتى لو كان ذو منصب وجاه ووجاهة. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز للكليم موسى عليه السلام (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) وذلك تعبيراً وتصديقًا منه عز وجل على مكانة الأخ وأنه هو السند والمتكأ لأخوته.
وقد تجد الونس فى صداقة مخلصة. فالصداقة الحقيقية هي شيء يشبه الحقيقة في عالم الزيف الذي نعيش فيه. ما أجمل أن يجد المرء في أحبابه صداقة حقيقية تغنيه عن العالم أجمع، ففيها الدعم والسند والحب والإخاء والنصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأصدقاء هم زهور في بستان واسع، قد تختلف ألوانهم وعطورهم غير أنهم جميعًا يشتركون بالجمال، ويشكلون مع بعضهم البعض لوحة فنية تستحق التأمل.
لا تحزن من المواقف الصعبة فهي لم تكن كذلك إلا لكي تكشف لك من هو الصديق الحقيقي ومن هو الصديق الزائف، فهي تعطيك ولا تمنعك كما تظن. الصديق الحقيقي يأت كالغيث حين تكون صحراء قلبك قد جفت تمامًا وتكون بأمس الحاجة لمن يعينك على أن تحيى مجددًا.
قد كنت دومًا حين يجمعنا الندى .... خلًا وفيًا والجوانح شاكره
واليوم أشعر في قرارة خاطري .... أن الذي قد كان أصبح نادره
لا تحسبوا أن الصداقة لقية ... بين الأحبة أو ولائم عامرة
إن الصداقة أن تكون من الهوى .... كالقلب للرئتين ينبض هادره
إرسال تعليق