فلسفة الطز في الأدب الساخر

+ حجم الخط -

فلسفة "الطز" في الأدب الساخر

طارق رضوان جمعه


ماذا يحدث إذا تفوهت بكلمة "طز" لصديقك أو صديقتك؟ ما رد فعلهم؟ هل سيعتبرونها إهانة أم أنه صار قولاً شعبياً معتاد ؟ ما دافعك لاستخدام كلمة "طز"؟ وهل صرخة الأديب الساخر لها فائدة تُذكر أم أنها صرخة نملة؟


"طز" الأتراك التي كانت تعنى الملح اختلفت وصارت الأن حرفين فقط لسرد ظاهرة مأساوية. ويرجع سببها إلى حالة من قمع المشاعر وعجز عن التعبير وعدم قدرة لتغيير الواقع .


مفهوم فلسفة الطز التي بدأت في الظهور علانية بعد ان كانت مخفية. هذه الفلسفة بدأت في الظهور والانتشار بين جميع طبقات الشعب. وثقافة "الطز" نوعين حسب سيكولوجية الشخصية: فهناك إنسان بائس لا يعرف للمستقبل طريق او يقيم له وزن.


وهو مظلوم من زاوية العدل وليس ظالم لأنه لم يجد مخرج مما هو فيه إلا إتباع هذا الطريق . لذلك كان تهكمه واعتراضه محاولة منه لكي يهون على نفسه حياته البائسة ومحاولة للخروج من مأزق الفقر. هو لم يضر احد بهذا ولم يرتد مفعول" الطز" الا عليه سواء بالخير او بالشر. وهناك " طز" المتهكم المتبجح الذى يعتقد أنه فوق القانون، معتمدا على ثروته أو جماعته أو غيره. فالأخير يضر بالمجتمع ، وهو ما يعاقب عليه الله .


واذا صعدنا قليلا في درجات سلم الطز ، نجد من يحتال على الاخرين بطرق ملتوية ومختلفة. والسبب الذي دفع البعض لذلك ليس عدم الخوف من السجن انما يكمن في اليأس الذي جعل الجميع لا يخشون من عواقب فعلهم المجنون. هذا اليأس هو ما جعل كلمة طز لها وزنها في افعالنا. وباتت شريعة الغاب هي المسيطرة على مجريات الحياة، الاقوى يغتال الضعيف لذلك لا يجب علينا ان نتعجب عندما نشاهد تمرد الضعيف والفقير ومحاولته الانعتاق من هذا الجحيم المخيف. فأغلب جرائم القتل والسرقة بالإكراه والشذوذ إنما هي صرخة ضد "طز" المجتمع. ألا يستدعى هذا البحث لرفع المعاناة عن الخلائق؟


"الطز" يا سادة بأشكالها المتنوعة ما هي إلا صرخة نملة ضد أوثان "الطز" التي شيدها مجتمع الطغاة. واذا لم يصحح المجتمع اوضاعه ويمحي كلمة الطز من قاموسه فلن ينال الا مزيدا من التدمير.


وكل ما اشتدت وطأة الحياة، أطلق الإنسان الدعابة والسخرية والضحكات كشهقة ترفض الاستسلام، وهذا الفعل الطبيعي انتقل إلى الأدب تاريخياً. ووجد الأدب في السخرية، قوة سحرية لردم الهوة بينه وبين المتلقي، من حيث سهولة تقبل الناس للأدب الساخر والضاحك، فمن مميزات الكتابة الساخرة أنها تغوص عميقاً في الواقع وتلعب على المفارقة بشكل كبير.


استطاعت السخرية أن تتسرب إلى جميع الأجناس الأدبية، مثل الشعر، والقصة، والمقالة. ومن المفارقات الكبيرة في عالم الكتابة الساخرة أن معظم الكتاب الساخرين، عاشوا في بيئات قاسية ومؤلمة . فقد لجأوا إلى هذا النوع من الأدب، وكأنهم في البدء قد قرروا أن ينتصروا على الحزن والألم الذي بداخلهم، ثم تحويله إلى مادة للضحك والسخرية حتى تمضي الحياة، وذلك يتوافق مع ما ذهب إليه علماء النفس الذين يرون في السخرية سلاحاً يستخدمه الفرد لترميم دواخله من الجنون والانهيار النفسي.


ومن أشهر الأدباء الساخرين الجاحظ في «البخلاء»، وأبو العتاهية، والحطيئة، محمد الماغوط، وجلال عامر، ومحمود السعدني، وأحمد مطر، وأحمد فؤاد نجم، وأحمد رجب، وأحمد بهجت وغيرهم الكثير.


وأخيراً، فالكتابة الساخرة هي كتابة جادة ليست هزلية على الإطلاق. فالأدب الساخر الحقيقي هو الذي يقوم على فن توظيف المفارقة واللعب على المتناقضات. الأدب الساخر هو بمثابة التطعيم” باللهجة المحلية يشبه إعطاء حقنة أو دواء ، بالتالي يجب أن تكون بمقدار معين، من دون إسراف، وقلة جدا من الكتاب يجيدون نسجها ضمن حياكة النص بطريقة طبيعية.

كتابة تعليق