
بقلم : يوحنا عزمي
تعتقد الشعوب أن بمجرد تجمهر الحشود في الشوارع عارضين طلباتهم فإن النظام والمجتمع الدولي يخضع لها .. فكرة ساذجة أشبه بطموحات الأطفال التي تتحطم بمجرد دخول عالم الحقيقة.
والحقيقة أن الثورات لا تولد عشوائياً ولا تستمر تلقائياً ..
الثورات مهنة وصناعة فيها خبراء وفيها صناع وفيها تجار وفيها مدربين وفيها مستفيدين وفيها عوام مستهلكين يتم بهم إنجاح الصناعة ..
الثورات علم دراسة سيكولوجية الجماهير وكيفية التأثير عليهم
ودفعهم للاحتشاد دفعاً وكيفية حثهم على البقاء في الميادين أيام
وليالي حارة أو باردة ، الثورات علم صناعة الأهداف وإقناع الحشود أن هذه الأهداف نابعة منهم ..
تذكر في 25 يناير كانت مطالبكم محاربة الفقر والبطالة ومشاكل الشباب ثم تغيرت المطالب على مراحل فأصبحت تغيير الدستور
وحل مجلس الشعب وإسقاط الرئيس ، ثم لم يقل أحد هذه ليست مطالبنا بل انساق الجميع .. هذه هي الصناعة.
الثورات تدريب واختيار .. اختيار ذو الصوت العالي والكاريزما القوية ليقود المجموعات في الميادين .. اختيار بهلوانات الثورة الذين يرقصون ويغنون ويلهبون مشاعر القومية أو الغضب لتزيد الحشود ويظهر سمو العمل للجميع ثم اختيار خبير التصوير ليلتقط الصور لهذه البهلوانات ثم خبير الإنترنت الذي يرفع هذه الصور
والفيديوهات لتراها الشعوب ثم صاحب الصفحة أو قناة اليوتيوب الذي سيروج لهذه البهلوانات في داخل الدولة ثم يأتي دور القناة الصحفية المتفق معها لنشر هذه الصور والفيديوهات ثم المراسل الذي سيرسل الصور للصحف الأجنبية ثم يتحدث الجميع "ثورة أبهرت العالم" والمثل يحدث في تصوير مشاهد القتل أو الاغتصاب أو عنف الشرطة ولا مانع من صناعة هذه الأحداث أيضاً والحقيقة أنها سلسلة كل شخص فيها يعلم دوره ويتقاضى أجره.
الثورات صناعة فيها ينبغي أن تعلم كيف تقنع جماهير الحي الفلاني وكيف تقنع خريجي الجامعات وكيف تقنع أساتذة الجامعة وكيف تقنع موظفي الحكومة وكيف تقنع موظفي القطاع الخاص وكيف تقنع سكان العشوائيات والساكنين في قبور الموتى وكيف تقنع سكان القصور والشاليهات فلكل فئة مدخل وتكتيك واستراتيجية
وأهداف.
الثورات صناعة فيها ينبغي أن تدرس بداية الانطلاق ونقطة
التحرك ومسافة الوصول للهدف ومساحة الميادين وحجم الشوارع
وخطيب المسجد والطوائف التي ستمر في المسيرة والشاطر في هذه المهنة من يحشد أكبر قدر من المستهلكين.
وفي الثورات هناك كُتب واستراتيجيات وفيديو جيم محاكاة
لأرض الواقع وبرامج تكشف لك حدود الدولة ومساحتها وأهم المساجد وأماكن السجون ومراكز البحوث العلمية ومقر الجامعات.
وهناك خبراء يكتبون الإستراتيجية وهناك مكاتب تروج لهم
وهناك منافذ بيع وهناك رعايا عالميين وداعمين ومروجين
وناشرين ومدربين وهناك كثير من الدوائر كما هو الحال في
أي صناعة.
وفي الثورات عليك أن تعلم توجهات الخصم واستراتيجياته ..
للمواجهة والخصم في هذه الصناعة هو الدولة والنظام ولذا ينبغي وجود برامج تجسس ومقاطعة لمحادثات الشرطة والجيش وعليك أن تعلم كيفية مواجهتم للأفراد وكيف موقفهم من الحشود وما استراتيجيتهم في الكر والفر وعليك إختراق مواقع الحكومة فهي الحرب وعليك استباق الخطوات والشاطر من يضع الخصم في مأزق ..
ولا يهم في الثورات حجم الحشود بقدر ما يهم الدعم الإعلامي
والتسليط على الحدث فكما يقولون "الزن على الودان أمر من السحر" وتكنولوجيا التصوير والإعلام تستطيع أن تجعل المائة يبدون كآلاف وتجعل أيضاً الملايين مجرد صفر ، ولولا الإعلام
لما شعر أحد بما يحدث داخل الدولة أصلاً .. ولابد من اهتمام
الرأي الدولي بالحدث ليُنشر فمجرد الاهتمام به ونشره اعلم أنه متفق مع الأهداف الدولية والعالمية لامبراطورية الشر.
ولنذكر مثالاً من يتحدث عن الآلاف التي تموت كل يوم في الصومال ؟.
وموقف المجتمع الدولي هو الذي يتمم للصناعة النجاح أو الفشل
وهذا الموقف يحتاج إلى شرعية ينبغي أن يمنحها الشعب لدول الاستعمار فيطلب الشعب الحماية الدولية أو دعم الديمقراطية أو حماية الأقليات والمسميات كثيرة وكل تاجر يعلم دوره والدولارات كثيرة والتجار أكثر .. وتذهب الأرباح لرؤساء الأموال الفطاحلة الكبار ممولي هذه الصناعة .
إرسال تعليق