بقلم : يوحنا عزمي
كل حدث جديد بطبعه يفرض نوعاً من الإرتباك على الجميع
الحوار الوطنى كان حدثا جديداً وغير متوقع .. فكرة أطلقها
رئيس الجمهورية ليبدأ مرحلة جديدة فى تجربة الدولة فى عهده.
الكلمة نفسها مطروقة وسبق استخدامها فى عهود سابقة ولم
تسفر عن نتائج كبيرة .. بعض الذين لم يتلقوا دعوة للحوار أعلنوا عن استعدادهم للمشاركة وفق شروط ، رغم أن أحداً لم يدعهم من الأساس ، والذين بدا أن هناك ثقة فى وطنيتهم وبدا أنهم معنيون أكثر من غيرهم تعرضوا لمزايدات كثيرة ومتنوعة ففروا إلى لغة جافة بدت وكأنها نوع من فرض الاشتراطات المسبقة.
رغم أن الطبيعى فى أى حوار أن تكون لكل طرف مطالب وأن يتم التفاوض حولها والوصول إلى حلول وسط .. والأحزاب المؤيدة للدولة وهى تعبر عن قوى على أرض الواقع لم تفهم فى البداية هل هى مدعوة للحوار أم أنه مقتصر على المعارضين فقط كما أوحت ظواهر الأمور وبيان لأحزاب «الجبهة المدنية».
ثم كان هناك السؤال الأكبر وهو هل نحن إزاء حوار وطنى عام
أم إزاء حوار سياسى خاص؟ .. فى الحالة الأولى "وقد كنت من الداعين إليها" نحن إزاء حوار يشمل قضايا اقتصادية وحضارية واجتماعية وسياسية أيضاً .. لا يمكن ألا يكون لدينا حوار جاد ومسئول حول إصلاح الخطاب الدينى وعصرنته ليكون دافعاً للأمام.
حوار علمى مسئول وراقٍ يحضره أهل العلم والاختصاص لا أهل الصخب واللقطات الساخنة .. فى الاقتصاد أظن أن علينا الاستماع لكل جمعيات رجال الأعمال والمستثمرين وطرح كل الأفكار على المائدة التى تجمعهم بالمسئولين عن هذا الملف ..
وفيما يخص التقدم الإجتماعى فإن علينا أن نخوض حواراً يحدد أهم خمس مشاكل اجتماعية توضع كأولوية قصوى للقضاء عليها ليقل أحدهم مثلًا إن النمو السكانى والأمية وقهر المرأة هى أهم ثلاث مشاكل يجب أن تخصص لها الإمكانات، وليقل آخر إن التواكل والإيمان بالخرافة والتطرف هى المشاكل الأولى بالحل أولًا.
وليخرج المتحاورون بوثيقة تسجل ما اتفقوا عليه ..
فى المجال السياسى لابد من مناقشة مطالب القوى المدنية غير المتورطة فى الإرهاب بكل تأكيد، ولابد من التحاور مع المسجونين أنفسهم حواراً سياسياً واضحًا يحدد خريطة كل منهم فى العملية السياسية بعد الحوار .. من يريد أن ينخرط فى العمل الحزبى؟.
من يريد أن يعتزل العمل العام؟. من يريد أن يعمل من خارج النظام السياسى أو يستمر فى نفس موقفه الذى أدى لاصطدامه بالأجهزة الأمنية .. وهل كان ضحية سوء فهم أم لا ؟.. كل هذا مهم جداً التحاور حوله ، وسيسفر بالتأكيد عن تحقيق بعض النتائج ، والحكم سيكون فى ختام الحوار وليس قبل البدء فيه.
الدولة أيضاً عليها أن تطرح وجهة نظرها فى التنمية وتعرض إنجازاتها التى فرضت عليها نوعاً من السرية فى سنوات المواجهة مع الإرهاب .. الأهم أن تعرض مطالبها.
أتخيل أن الدافع للحوار عادة ما يكون الرغبة فى تكوين جبهة عريضة إزاء التحديات التى تواجه الوطن .. منها الأزمة الاقتصادية العالمية مثلًا .. والقوى الخارجية المناوئة وبعض العناصر التابعة لها فى الداخل والخارج ..
وهنا على المعارضة أن تجيب أيضاً.. هل هى على إستعداد للدخول فى هذه الجبهة أم لا ؟ الدخول فى جبهة مع السلطة الشرعية يتيح تأثيراً أكثر ولكنه أيضاً يفرض نوعاً من الالتزام السياسى ..
فهل الأحزاب والقوى المعارضة لديها استعداد أم لا ؟
هذا سؤال مهم عليها أن تجيب عنه ، كما أنه على الدولة أن تجيب عن أسئلتها حول موعد تنفيذ مطالبها .. وهذا هو الحوار .. سؤال مقابل سؤال وإجابة أمام إجابة ..
من السذاجة افتراض أن السلطة ليست لها مطالب من الحوار
وليس لديها ما تقوله فيه ، ومن الظلم أيضاً أن نضيق بمطالب منطقية ومقبولة للمعارضة تؤدى إلى دفع الوضع للأمام لمصلحة الجميع.
أكبر فشل للحوار الوطنى هو أن يتحول لهايد بارك ضخم يتحدث فيه كل شخص كما يريد ثم ينفض الجمع ويذهب كل شخص إلى سبيله وهو يشعر بالراحة والهدوء ..
الحوار عملية تفاوضية مستمرة ولها مراحل وما يتم التوصل إليه يجب تسجيله فى ميثاق للعمل الوطنى يحدد أولويات الدولة خلال فترة زمنية قادمة فى الإقتصاد والسياسة والإصلاح الإجتماعى والثقافى والدينى أيضاً ..
وأن تفهم المعارضة أن عليها تقديم أفكار فى المجالات التى تتفق فيها مع الدولة ، كما تقدم مطالب فى المجالات التى تختلف فيها
إذا كان حزب ما لديه خطة لمحو الأمية فعليه أن يتقدم بها ..
أو حزب آخر لديه فكرة لمقاومة الانفجار السكانى فعليه أن يطرحها ويشارك فى تنفيذها أيضاً .. وفيما يخص المجال السياسى فلابد من خيال جديد يحترم الواقع ويحاول تطويره ..
التعامل مع الواقع المصرى على أنه هو نفسه الواقع البريطانى
مثلًا هو نوع من أنواع اللا جدية والعدمية السياسية ..
الرئيس السادات كان يقول "الجيش تصدى للسياسة فى 52
ولن يخرج منها قبل 60 عاما من الآن "الحوار كان سنة 1976
حققت الأيام نبوءة هذا السياسى الداهية وقامت ثورة 30 يونيو وتصدى الجيش للحفاظ على مصر والمصريين هذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
المعارضة المدنية ليست بديلاً للسلطة ولا تصلح أن تكون بديلاً لها لكنها يمكن أن تتحالف معها بشرف ونزاهة لإصلاح الواقع المصرى لأن السلطة بقيادة الرئيس تقود أكبر عملية إصلاحية فى تاريخ مصر .. ومن لا يرى هذا لديه مشكلة فى الرؤية بكل تأكيد.
أقترح أن تناقش المعارضة فكرة إندماج أحزابها فى حزب واحد كبير ينافس حزباً تنصهر فيه كل الأحزاب المؤيدة للدولة فى مصر فى هذه الحالة تكون المناقشة حول سياسات حكومية يومية وتفاصيل تنفيذ خطط التنمية وليس حول التوجهات الإستراتيجية للدولة المصرية ، ولا مواقفها السياسية والسيادية ..
لو سمح الواقع بهذه الفكرة فسنكون بكل تأكيد أمام خطورة جدية غير مسبوقة تحتاج لمراحل مختلفة من الحوار .. من الأفكار التى تتميز بالخيال أيضاً تشكيل جبهة إصلاحية للعمل فى القضايا محل الإجماع مثل الإصلاح الدينى والاجتماعى والثقافى ..
هناك بكل تأكيد عشرات الأفكار التى يمكن أن يتم طرحها بهدف تغيير الواقع وإصلاحه لا الإصطدام به أو التحريض ضده دون هدف أو بديل واضح سوى التنفيس عن مشاعر عاطفية مضطربة أحياناً ومراهقة أحياناً وخاضعة للابتزاز فى أحيان أخرى.
إرسال تعليق